… انا صاحب ذاك الموقف عام 90 .. هل تذكرون
السيد الرئيس في الكويت
السيد الرئيس لايفوت مناسبة تقام في الكويت الا ينطلق اليها ..خاصة اذا كان الامر يتعلق بقمة كما هو الحال الان …وسيادته بقدر ماتعنيه القمة يعنيه ان يقف امام القادة الكوتيين محاولا ان يوحي اليهم بانه اتخذ موقفا ضد احتلال الكويت من قبل العراق عام 1990 ..وانه حمل الرئيس الراحل صدام حسين رحمه الله خراب حال الامة العربية حين يرغب الرئيس في ان يعبر عن رؤية قومية …
لكن من خلال مانرى من تطور العلاقات بين تونس و دولة الكويت اتذكر كتاب البخلاء وقصة العربي الذي استقبل مروزيا ـ من قبائل مرو الفارسية المشتهرة بالبخل ـ واكرم وفادته …وبالغ في ذلك ماجعل المروزي ينطلق في الوعود ..اه لو زرتني في بلدي ..لاكرمك كما اكرمتني … ..وضعها الرجل براسه ..وسافر الى مرو ..وسال عن صديقه .. الى ان وقف امامه في مجلسه ..سلم عليه فرد عليه السلام كما رد على بقية الوافدين دون اهتمام خاص ..والتفت الى مجلسه يحدثه …قال الرجل في نفسه : صديقي لم يعرفني ..خلع العمامة والرجل غير آبه به وضل يخلع اثوابه قطعة قطعة دون ان يفلح في ان يثير اهتمام صديقه ..وحين لم يبق الا القليل من ملابسه .. التفت اليه المروزي وقال له : والله لو خرجت من جلدك ماعرفتك .
السيد الرئيس في هذا لايبدو مهتما باربع مسائل على الاقل :
ـ المسالة الاولى ان امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الذي كانوا يسمونه في الثمانيات الامير الاحمر ..لمواقفه المناهضة لامريكا وهو وزير خارجية لبلاده لايشق له غبار …لايبدو معنيا مياشرة بمواقف التاييد الذي اتخذه حقوقي تونسي مثل كثير المواقف الاخرى من كل صوب وحدب ..يمكن ان يقع الاكرام على مستوى شخصي انما ليس على اساس مساعدة دولة لدولة .
ـ المسالة الثانية …ان الموقف النبيل الذي اتخذه التونسيون في التسعين اخذ بمتلازمتين : …عدم مساندة احتلال بلد عربي لبلد عربي …وبالتالي الاعتراض على احتلال العراق للكويت .
…. لكن في نفس الوقت …لايؤيدون تدمير العراق …وهوتقريبا موقف اجمعت عليه البلاد من رئيسها وقتها زين العابدين بن علي وحركة النهضة الحالية …وجميع الشعب الا اصواتا قليلة عادة تتلمس منافع شخصية …وكانوا بفطرة يعرفون ان الحشود القادمة قد تطرد الجيوش العراقية من الكويت انما ستحط على قلب المنطقة لزمن طويل …وهذا بالنتيجة يعطي القيادة الكويتية الحالية القناعة ان الشعب التونسي في حينها لم يكن مخطئا ..وقد تكون سياسات حمقاء اتخذت حتى في الكويت في حينها اوصلت الكويت التي كانت تفوق حجمها شهرة ووزنا الى بلد منسي مازالت تنخره اثار الحروب التي مرت فوق ارضه الصغيرة .
ـ المسالة الثالثة : ان الكويتيين يعرفون من حررهم واغدقوا عليه العطاء في حينها ومازالوا …وحين ـ بعد تحرير بلدهم ـ تحدثت الاستخبارات الامريكية عن تحركات للجيش العراقي من جديد على مقربة من الكويت ..وحاولت وقتها مصر وسوريا ان تقنع الكويت بان مجموعة اتفاق دمشق التي قامت بعد انتهاء الحرب وفيها مصر وسوريا وبلدان مجلس التعاون الخليجي قادرة على حماية الكويت ..فكان رد الشيخ صباح حاسما ..// نحن لن نغامر بامننا من جديد فنحن نعرف من يحمينا ..فاسقط في يد مصر وسوريا .
ـ المسالة الرابعة : ان ادارة التعاون الاقتصادي لم تعد مشروعا حكوميا ..فقد سهل المنهج الامريكي ومعه الصناديق الدولية على الحكومات الغنية التنصل من هم مساعدة البلدان الفقيرة حين ضغطت الولايت المتحدة باتجاه تحويل الاقتصاد من ايدي الحكومات الى ايدي القطاع الخاص … ولايحتاج السيد الرئيس ولا كل من حدث البلدان الغنية في التسليف والدعم الى جهد كبير لكي يعرف ان اعلى الهرم في تلك البلدان لا يملك اتخاذ قرارات بمفرده لدعم بلد شقيق يحتاج الى الدعم الا في حدود ..عادة ماتنزل الى مساعدات انسانية وقت الكوارث وبعض القروض مصحوبة ببعض المنح تقدمها صناديق التنمية ..في تلك البلدان ..لكنه لا تتجاوز باي صورة قدرة البلد على الخلاص في تلك اللحظة ..
ومن ثم فاننا مرتهنون الى امكانياتنا على الخلاص في جميع مانسعى اليه من دعم و معونة ..اما مشاريع مارشال فقد تدفقت مرة واحدة ولم تعد ..وجيمع مؤتمرات الاعمار والدعم انطلاقا من افغانستان الى لبنان الى العراق الى دعم الثورات العربية لم تر النور وكانت كذبات اعلامية لاطائل من ورائها .
وبالتالي فان ثراء الكويت او قطر او الامارات او غيرها فهو لاهله ـ زادهم الله من خيره ـ …اما نحن فلو كان تلمس الدعم سياتي من البخلاء به لكان جاء من عند رؤوس الاموال في بلدنا التي اعطاها الوطن بسخاء واستغلت اسمه لكي تثرى ..لكنها لم تفعل وتقف تتبجح لتحدث الناس في السياسة وتفهمهم ان ..فساد الادارة السياسية فقط هو الذي عطل التنمية ..وهي كذبة يطول الحديث لو مضينا في تفسيرها .
******
تونس موهوبة بقيادات تبيع المواقف الصالحة والردئية بدون ثمن ربما اثمان لحسابات خاصة …لا اعتقد ان الرئيس المرزوقي منها انما يعنيه الامر حين كانت الوفود تنزل على تونس لتبارك بها ـ وهي صاحبة اول ثورة فتية ـ جميع العيون ملتفتة اليها لتنزلق في خراب سوريا …فلاهي كسبت ممن صنعوا الخراب ولن تكسب ممن وقع عليهم الخراب …كذلك الامر حين فتحت الطريق لتسليح الجبل الغربي وتخريب ليبيا ..
وفي التاريخ حين استقبلت الجامعة العربية وثم منظمة التحرير ..كلها ـ ـ فرص لكي تكسب تونس وتصنع قوتها وامنها لانها مواقف غالية الثمن … بيعت من قبل اناس لايفرقون بين الذهب والنحاس في العلاقات الدولية .